عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ t قَالَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. ([1])
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· الشرح:
· هذا الحديث الشريف يدلنا على أهمية العلم، وعلى عظم شأن العلماء، وأن فقدهم وذهابهم إنما هو قبض للعلم، وأن الله U لا يقبض العلم من قلوب الرجال بحيث يكون الإنسان عنده علم ثم يصبح وليس عنده علم، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، وقد قال r: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر).([2])وكان تحديث النبي r بذلك في حجة الوداع كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي إمامة t قال:لما كان في حجة الوداع قال النبي r خذوا العلم قبل أن يقبض أو يرفع فقال أعرابي كيف يرفع فقال الا أن ذهاب العلم ذهاب حملته ثلاث مرات.
· قوله rِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ ):أي محوا من الصدور،([3]) فلا يقبض العلم من الناس بأن يرفعه من بينهم إلى السماء. ([4]) لأن الله لا يهب العلم لخلقه ، ثم ينتزعه بعد أن تفضَّل به عليهم ، والله يتعالى أن يسترجع ما وهب لعباده من علمه الذى يؤدى إلى معرفته والإيمان به وبرسله. ([5])
· قال بن المنير:محو العلم من الصدور جائز في القدرة إلاَّ أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه. ([6])
· قوله r وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ) :أي يرفعه.
· قوله r بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ) : أي بموتهم وقبض أرواحهم، ([7]) و يكون قبض العلم بتضييع التعلُّم فلا يوجد فيمن يبقى من يخلف من مضى. ([8])
·قوله rحَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ) : أي : حتى لم يبق الله عالما. ([9])
· قوله rاتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا) : له وجهين : أحدهما:رؤوسا بضم الهمزة والتنوين جمع رأس ، والثاني رؤساء جمع رئيس وكلاهما صحيح والأول أشهر. ([10])
· قوله rجُهَّالًا ) :جمع جاهل أي جهلة بما يناسب منصبه. ([11])
· قوله r فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا):( فأفتوا ) من الإفتاء أي أجابوا وحكموا.
· قوله r بِغَيْرِ عِلْمٍ):وفي رواية أبي الأسود في الاعتصام عند البخاري فيفتون برأيهم .
· قوله r فَضَلُّوا):أي صاروا ضالين .
·قوله r وَأَضَلُّوا ):أي مضلين لغيرهم.([12])
· ما يستفاد من الحديث :في هذا الحديث جملة من الفوائد القيمة منها :
1. الحث على حفظ العلم .
2. التحذير من ترئيس الجهلة.
3. و فيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم. ([13])
4. فيه إشارة إلى أن العلم سيقبض ولا يبقى في الأرض عالم يرشد الناس إلى دين الله فتتدهور الأمة وتضل بعد ذلك ينزع منهم القرآن ينزع من الصدور ومن المصاحف كما قال أهل السنة: [ إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود ] قالوا : معنى وإليه يعود أي: يرجع إلى الله U في آخر الزمان حين يهجره الناس هجراً تاماً لا يقرؤونه ولا يعملون به. ([14])
5. سؤال: هل موت العلماء من علامات الساعة؟ الجواب: لا شك أن موت العلماء نقص كبير على المسلمين، وفقد العلماء فقد للعلم الذي معهم، وأما كون موتهم من علامات الساعة فقد ثبت في الصحيحين عن أنس t أنه قال: قال رسول الله r: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا ). وهذا لا شك دليل على أن موت العلماء من علامات الساعة، فرفع العلم - كما هو معلوم- إنما يكون بذهاب حملته، كما قال r: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه، ولكن يقبض العلم بموت العلماء)، والحديث هذا يدل على أن موتهم من أشراط الساعة. ([15])
6. وفيه : أنه ينبغي للعلماء نشر العلم وإذاعته . ([16])
[1] ) ) صحيح البخاري - كِتَاب الْعِلْمِ- بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ – برقم (98)- (1 / 176) - صحيح مسلم - كِتَاب الْعِلْمِ- بَاب رَفْعِ الْعِلْمِ وَقَبْضِهِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ وَالْفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ – برقم (4828 ) - (13 / 160).
[2] ) ) شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد - (5 / 352).
[3] ) ) فتح الباري - ابن حجر - (1 / 195).
[4] ) ) تحفة الأحوذي - المباركفوري (7 / 344)
[5] ) ) شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (1 / 177).
[6] ) ) فتح الباري - ابن حجر - (1 / 195).
[7] ) ) تحفة الأحوذي - (7 / 344).
[8] ) ) شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (1 / 177)
[9] ) ) فتح الباري - ابن حجر - (1 / 195).
[10] ) ) تحفة الأحوذي - المباركفوري (7 / 344). بتصرف
[11] ) ) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - الملا على القاري (2 / 110).
[12] ) ) تحفة الأحوذي - المباركفوري (7 / 344).
[13] ) ) فتح الباري - ابن حجر - (1 / 195).
[14] ) ) شرح رياض الصالحين - العثيمين (1 / 1592).
[15] ) ) شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد - (10 / 407).
[16] ) ) شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال - (1 / 177).